السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
====
(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
====
رتب سبحانه على الزواج حقوقا كثيرة مشتركة بين الزوجين قال تعالى: ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) [البقرة:228].
فالآية نصت على أن الحقوق بين الزوجين متبادلة طبقا لمبدأ كل حق يقابله واجب، ومن هذه الحقوق ما يلي:
1 - المعاشرة بالمعروف:
قال تعالىومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) سورة الروم آية 10. ، امتن الله تبارك وتعالى على عباده اعظم منة، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجاً من جنسهم وشكلهم، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الأئتلاف والمودة والرحمة، فهما يتوادان ويتراحمان، وما من شيئ أحب إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما، ولا ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين، فقوله (المودّة) تدل على تقرب كل منهما إلى الآخر وتلطف معه ومحبته له.
و(الرحمة) تشعر بحرص كل من الزوجين على مصلحة صاحبه والرفق به والإشفاق عليه من كل سوء ومكروه (انظر أضواء البيان(3/412)، تفسير ابن كثير(2/75)، تفسير البغوي(3/480)، زاد المسير(6/295)، وفتح القدير(4/219) ).
وهذه المحبة والرحمة التي حصلت بطريق شرعي- النكاح- تبقى بإذن الله ما بقي الزوجان في عقده، قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: (فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله) ( أخرجه مسلم باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ح(1218) (2/889). ).
===========
المبيت في الفراش والإعفاف
=====
من مقاصد الزواج الإعفاف والتحصين للزوجين، وقد جعله الإسلام من الحقوق المشتركة، وتوعد على الإخلال به.
عن أبي هريرة رضي اله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء، فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح)).
وننعت المرأة من الصوم تطوعاً، وزوجها حاضراً إلا بإذنه، مراعاة لهذا الحق وغيره،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه)) وكذلك يحرم على الرجل أن يتعمد هجر زوجته، قال سبحانه: ((وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ)) [النساء:129].
وكما قرر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس للمرأة أن تشتغل بالعبادات غير الفريضة إذا كانت تفوت حق زوجها، كذلك قرر صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز للرجل أن يشتغل بالعبادات النوافل حتى يغفل عن أداء حقه زوجته.
فعن عبد الله بن عمرو قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا عبد الله ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: بلى يا رسول الله، قلا: (فلا تفعل، صم وأفطر، ونم وقم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينيك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا...) رواه البخاري ومسلم.
وشغل الرجل عن زوجته يدفعها إلى إهمال نفسها وتضييعها،فعن عائشة رضي الله عنها قالت دخلت خولة بنت حكيم بن أمية وكانت عند عثمان بن مظعون، قالت فرآى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذاذة هيئتها، فقاليا عائشة، ما أبذ هيئة خولة! فقلت يا رسول الله امرأة لا زوج لها؛ يصوم النهار ويقوم الليل، فهي كمن لا زوج لها، فتركت نفسها وأضاعتها، قالت: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن مظعون، فجاءه، فقالك ياعثمان أرغبة عن سنتي؟! قال: لا والله، ولكن سنتك أطلب، قال: فإني أنام وأصلي، وأصوم وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان؛ فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاَ، وإن لضيفك عليك حقاَ، فصم وافطر ونم وصلي) [أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العيال ح(493) (2/682)، وقال: حديث حسن، إسناده جيد، فقد صرح ابن اسحاق بالتحديث فيه، وله متابعات وشواهد صحيحه].
فليحذر المسلمون من التفريط في مثل هذه الحقوق لا سيما عند انتشار الفتن.
=====
حفظ السر
قال تعالى : (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) (النساء32)، أي : المستقيمات الدين العاملات بالخير، قانتات: أي مطيعات لله تعالى و لأزواجهن، حافظات للغيب: أي يحفظن عرضهن، ويكتمن ما يكون بينهن وبين أزواجهن في الخلوة، كما يحفظن مال أزواجهن فلا يضيعنه باتلاف أو تفريط، بما حفظ الله: أي ذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه، كما أن الصالحة يكون لها من مراقبة الله تعالى وتقواه ما يجعلها محفوظة من الخيانة قوية على حفظ الأمانة( انظر تفسير ابن أبي حاتم (3/941)، والدر المنثور(2/514)، وتفسير الطبري(5/95). ).
فعن أبي هريرة قال : قيل لرسول الله أي النساء خير ؟ قال: (التي تسره إذا نظر ، وتطيعه إذا أمر ، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره)( أخرجه النسائي ك النكاح باب أي النساء خير ح 3231-6/68 ، والحاكم ك النكاح باب أي النساء خير 2/161 وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ، وأحمد 2/251 ، والطبراني في المعجم الأوسط ح 2136-3/71 ، وهو حسن الإسناد لأجل محمد بن عجلان . )، ولفظ الطبراني (ما أفاد عبد بعد الإسلام خيراً له من زوج مؤمنة ، إذا نظر إليها سرّته ، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله).
وعن أبي سعيد الخدري مرفوعاً (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها) رواه مسلم.
وعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله والرجال والنساء قعود فقال: لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله ، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟ فأرم القوم ، فقلت : إي والله يا رسول الله ! إنهن ليفعلن ، وإنهم ليفعلون ، قال (فلا تفعلوا ، فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانه في طريق فغشيها والناس ينظرون)(أخرجه أحمد ح(27624) (6/456).).
وبهذا يتضح قبح المزاح والهزل في خواص الأمور الزوجية، وتبادل النكات ونحوها فيها.
ويدخل في هذا الحفظ كل ما يكره الزوجان الجهر به وافشاءه، فلا يذكر أحدهما الآخر بسوء بين الناس ، ولا يفشي سره ، ولا يخبر بما يعرفه عنه من العيوب الخفية ، ولو مع سلامة النية والقصد.
المصدر: شبكة السنة النبوية وعلومها
بإشراف الإستاذ الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغير
وكتبتها د. إلهام بدر الجابري