إن أعمال الإنسان كلها بلا نية العبادة لله تعالى أعمال هابطة نازلة ، وإن كانت في ذاتها طاعة ، وذلك مخافة أن تنشأ الطاعات في النفس على مألوف العادة ومن ثم يحرم الإنسان شرف العبادة . وقد شاء الله تعالى لتحقيق هذا الأصل أن يجعل الصوم ركنا من أركان الإسلام يحرم فيه ما أحله في بقية العام ، فالعادة جرت على أن يأكل الإنسان ويشرب ويأتي امراته في الليل أو النهار على السواء ، ولكن الحق تبارك وتعالى حرم ذلك في شهر رمضان ليستديم عليهم شرف الشعور بعبودية التكليف ، لأنه لو تركنا على الإباحة دوما خُشي أن تسيطر علينا العادة فنحرم من الشعور بلذة وعزة العبادة . لذلك يرى إمام الدعاة فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله أن الصوم عبادة صعّدت ، ومعنى عبادة صعّدت أنه في غير شهر رمضان هناك أمور أحلت وأمور حرمت ، ولكن شهر الصوم والبركات قد تميز بأنه شمل بالتحريم في نهاره الأمور التي أحلت والتي حرمت في غيره ، فذلك تصعيد للعبودية عند المؤمن الحق ، فأصفى ما يكون المؤمن عبودية لله تعالى يكون في شهر رمضان المبارك ... ولكن ما هو الصوم .. وما أثره في نفوس العباد .. وما شروطه .. يقول امام الدعاه الشيخ محمد متولي الشعراوي أن الحق سبحانه وتعالى حين قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة بدأ بترقيق الحكم الصادر بالتكليف فكانما يقول: يامن امنتم بي واحببتموني لقد كتبت عليكم الصيام ، وعندما ياتي الحكم ممن آمنت به فانت تثق انه يخصك بتكليف تأتي منه فائده لك. فالصوم لغه معناه الإمساك, لكن الصوم التشريعي يعني الصوم عن شهوتي البطن والفرج من الفجر وحتى الغروب. وقوله الحق( لعلكم تتقون) أي أن نهذب ونشذب سلوكنا فنبتعد عن المعاصي . والصيام كما نعلم يضعف شره الماديه وحدتها وتسلطها في الجسد, ولذلك يقول صلي الله عليه وسلم للشباب المراهق وغيره:"يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءه فليتزووج فانه اغض للبصر واحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء". وقد اصطفي رمضان كزمن تتدرب فيه علي الاستقامه لتشيع من بعد ذلك في كل حياتك, لأن اصطفاء الله لزمان أو لمكان أو لانسان ليس لتدليل الزمان, ولا لتدليل المكان, ولا لتدليل الانسان, وانما يريد الله من اصطفائه لرسول أن يشيع أثر اصطفاء الرسول في كل الناس. ويتابع الشعراوي كلامه فيرى أن قول الحق {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يدلنا على أن المسلمين ليسوا بدعا في مسألة الصوم, بل سبقهم أناس من قبل الصيام وإن اختلفت شكلية الصوم. إن الصوم فريضة يرتقي من خلالها العبد إلى شرف وسمو التكليف، فهي عبادة يتقرب بها العبد من خالقه سبحانه وتعالى، كما أنها تختلف عن غيرها من العبادات والأعمال الصالحة بأنها خارجة عن قاعدة الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، لأن الله عز وجل هو الذي يقدر الجزاء عليها، ومعنى التقدير الأعلى للجزاء أن المولى جل وعلا يجزي عليه فوق سبعمائة ضعف لقوله في الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به) . |
الصوم فى خواطر الشيخ الامام
أمة الرحمن- {{ المدير العام }}
- عدد الرسائل : 175
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 30/11/2008
- مساهمة رقم 1